سما بغداد

هل العراق على أعتاب فراغ دستوري؟ تحليل سياسي في مهب العواصف

التحليل والإستنتاج أدناه نِتاج ما تقدم من تطورات المشهد السياسي ويقيناً بأن كاتب السطور وما بينها على إطلاع ودراية ويتمتع برؤية وتحليل أستراتيجي قريبا جدا من الوقائع ويبني مقالاته تارة على معلومة وتارة أخرى على تحليل وتوقعات ليست من نسج الخيال وجميع التساؤلات التي وردت في المقال نراها مقصودة ولدى الكاتب الأجوبة ما بين السطور .. المقال أدناه بقلم اللواء فلاح موحان المالكي سننشره كما هو .. اللواء فلاح موحان المالكي .....................

في ظل الأزمات السياسية المتلاحقة التي تثقل كاهل العراق، تتسارع الأحداث بشكل يبعث على القلق. الانقسامات الحادة بين القوى السياسية، والتراشق المستمر بالاتهامات، والتلكؤ في تحقيق توافق وطني حقيقي، جميعها إشارات تنذر بخطر أكبر يلوح في الأفق: الفراغ الدستوري.

لا شك أن هذا السيناريو ليس وليد المصادفة. هناك من يعمل على دفع العراق إلى هذه الهوة السحيقة لأغراض تتجاوز مجرد تغيير الحكومة أو إعادة تشكيل السلطة. هناك نية واضحة، وربما مخططات مدروسة، لإقالة الحكومة الحالية أو إجبارها على تقديم إستقالتها، لكن السؤال الأهم: من يقف خلف هذا التحرك؟ وما دوافعه؟ والأهم، ما هي عواقب ذلك على العراق؟

الوضع الراهن: خطورة لا تحتمل التجاهل

العراق يعيش اليوم لحظة مفصلية من تاريخه الحديث. التعقيدات الراهنة لا تحتمل أي تهاون أو تقصير. الوضع يمتاز بخطورة استثنائية، حيث إن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية قد بلغت ذروتها، وأي تحرك غير محسوب قد يؤدي إلى تداعيات كارثية تطال الجميع دون استثناء.

على الجميع، سواء كانوا قوى سياسية أو مواطنين، أن يعوا حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم. مصلحة الوطن والشعب يجب أن تكون البوصلة التي توجه كل القرارات والتحركات، بعيداً عن المصالح الحزبية أو الضغوط الخارجية التي لا ترى في العراق سوى ورقة لتحقيق مكاسبها.

الفراغ الدستوري: خطر يتجاوز السياسة

الفراغ الدستوري ليس مجرد شلل سياسي عابر، بل هو حالة تتعطل فيها مؤسسات الدولة، ويتوقف معها عمل الجهاز التنفيذي والتشريعي، مما يجعل البلاد عرضة للفوضى السياسية والأمنية. عندما تتوقف عقارب الساعة الدستورية، يصبح العراق ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الداخلية والخارجية، وبيئة خصبة لنمو الجماعات التي تبحث عن فرصة لتعزيز نفوذها على حساب استقرار البلاد.

أجندات وراء الكواليس: من يسعى للإقالة؟

في المشهد السياسي العراقي، هناك أطراف تسعى بشكل متعمد لإقالة الحكومة أو دفعها للاستقالة. دوافع هذه الجهات ليست خافية:
1. إعادة ترتيب موازين القوى:
هناك قوى سياسية تشعر أن نفوذها بدأ يتراجع، وتسعى إلى استغلال أي أزمة لإعادة تموضعها في السلطة، سواء عبر حكومة انتقالية أو انتخابات مبكرة.
2. استغلال الغضب الشعبي:
الشارع العراقي يغلي تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والخدمية، وهناك من يحاول استثمار هذا الغضب لزيادة الضغط على الحكومة الحالية وتحميلها المسؤولية الكاملة.
3. ضغوط إقليمية ودولية:
لا يمكن فصل التحركات السياسية عن التدخلات الخارجية. بعض القوى الإقليمية تسعى لإضعاف الدولة العراقية من الداخل لتحقيق أجنداتها الخاصة، سواء عبر زعزعة الاستقرار السياسي أو تعزيز نفوذ حلفائها المحليين.

ما الذي ترغب هذه الجهات في تحقيقه؟

إذا نجحت هذه القوى في إقالة الحكومة أو دفعها للاستقالة، فإنها ستحقق عدة أهداف:
• توسيع النفوذ: إعادة تشكيل الحكومة تعني إعادة توزيع المناصب والموارد، ما يمنح هذه الجهات فرصة للسيطرة على مفاصل الدولة.
• إعادة كتابة قواعد اللعبة: يمكن أن يؤدي الفراغ السياسي إلى فرض تغييرات جذرية في القوانين الانتخابية أو النظام السياسي بما يخدم مصالح معينة.
• تعزيز الشرعية أمام الجمهور: بعض القوى تسعى لتقديم نفسها كمنقذ شعبي قادر على انتشال العراق من أزماته، رغم كونها جزءاً من هذه الأزمات.

عواقب الإقالة والفراغ الدستوري

لكن هل فكرت هذه القوى بما قد يحدث للعراق إذا ما استمر هذا النهج؟ إقالة الحكومة أو استقالتها دون توافق سياسي واضح ستقود البلاد إلى:
1. شلل كامل في مؤسسات الدولة:
ستتعطل العملية التنفيذية والتشريعية، مما يعمق معاناة الشعب ويعطل الحلول للأزمات الاقتصادية والخدمية.
2. تصاعد الفوضى الأمنية:
غياب حكومة قوية سيترك الساحة مفتوحة للجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة لتعزيز نفوذها، خصوصاً في المناطق الهشة.
3. زيادة التدخلات الخارجية:
أي فراغ سياسي سيغري القوى الإقليمية والدولية للتدخل في الشأن العراقي، مما يعمق انقسام البلاد.
4. تفكك الثقة بين الشعب والنظام:
ستؤدي هذه الفوضى إلى تآكل الثقة المتبقية بين المواطن والدولة، مما يهدد باندلاع احتجاجات شعبية واسعة يصعب السيطرة عليها.

رسالة إلى الجميع: العراق أولاً

الوضع الراهن يفرض على الجميع أن يضعوا مصلحة العراق فوق كل اعتبار. الوطن يمر بأخطر مراحله منذ سنوات، ولا مجال للعبث بمصيره لتحقيق مكاسب سياسية أو حزبية ضيقة. الشعب العراقي يستحق أن يرى قيادات تتحمل مسؤوليتها الوطنية بشجاعة وشفافية، بعيداً عن لعبة المناصب والمحاصصة.

الطريق إلى الحل: إرادة وطنية حقيقية

ما يحتاجه العراق اليوم ليس المزيد من الأزمات المفتعلة، بل إرادة وطنية جادة تعيد الهيبة للدولة وتضع مصالح الشعب فوق الاعتبارات الحزبية والشخصية. ولتفادي الوقوع في الفراغ الدستوري، يجب اتخاذ خطوات حاسمة، منها:
1. احترام المهل الدستورية:
أي تغيير سياسي يجب أن يتم ضمن إطار دستوري واضح يحفظ شرعية المؤسسات ويمنع تعطيلها.
2. التوافق السياسي:
الحوار الصادق بين القوى السياسية أصبح ضرورة ملحة لوضع خارطة طريق واضحة تنقذ البلاد من الانهيار.
3. التحصين ضد التدخلات الخارجية:
الحفاظ على استقلالية القرار الوطني يجب أن يكون أولوية لحماية سيادة العراق من أي ضغوط أو أجندات خارجية.
4. إشراك النخب والمجتمع المدني:
تعزيز دور النخب الفكرية ومنظمات المجتمع المدني في مراقبة العملية السياسية وتقديم رؤى بديلة تسهم في تحقيق الاستقرار.

خاتمة

إن العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق خطير. إما أن تتكاتف الجهود لإنقاذه من السقوط في الفراغ الدستوري، أو أن يتحمل الجميع مسؤولية ما سيترتب على ذلك من تداعيات كارثية. مصلحة الوطن والشعب يجب أن تكون البوصلة التي توجه كل خطوة، لأن الأوطان لا تبنى بالشعارات، بل بالإرادة الصادقة والعمل المخلص.

متابعة "جدار نيوز"

2024-11-27

03:48 AM

529